مجتمع

نقط خلافية :الإسلام … حتى لا نخطئ الفهم !!!

نقط خلافية :
الإسلام … حتى لا نخطئ الفهم !!!
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،يونيو،2024.
مخطئ من يعتقد ان الإسلام الذي نمارسه اليوم بالمغرب هو الإسلام “الصحيح”, الذي يعكس التنزيل الفعلي للشريعة السماوية التي نزل بها الوحي على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
ومخطئ من يعتقد ان الكتب التراثية و الفقهية التي تناولت موضوع المعاملات هي تفسير كوني للقيم الإسلامية .
كي تعرف هذه الحقيقة عليك ان تزور بلدان المسلمين وتعيش معهم حياتهم اليومية لترى كيف يمارسون شعائرهم الدينية وفق مجتمعاتهم ووفق الشكل الذي وصلهم به الإسلام ،
وستزداد قناعة حين تكون البلدان المسلمة التي تزورها ليست بلدانا عربية ، هذه البلدان التي لم تصلها كتب الفقه والكتب التراثية العربية .
زياراتي لم تكن كثيرة كي استطيع الحديث عن تجربة ميدانية ، لكنني كلفت نفسي عناء البحث بين الكتب والمواقع عن كيف تمارس الشعوب غير العربية الإسلام ؟
ولعل اول ملاحظة وجب الوقوف عندها هي انه لا يمكن فصل الدين عن المجتمعات المعتنقة لذلك الدين ،
قد تدفع أحكام الشريعة المجتمعات المعتنقة للإسلام ان تحرم ما حرمه الله قطعا ،و أن تبرز مظاهر الدين عبر “حشمة النساء” والمساجد و وفود الحج و صلوات وطقوس الاعياد الدينية ،
لكن كثيرا من الشعائر الحركية بما فيها الصلاة و لباس الحج و حجاب المرأة لا تخرج عن عادات وتقاليد تلك البلدان ، وهم يرون في ممارستهم الدين الصحيح و الالتزام المطلوب و التدين المستوحى من شريعة الإسلام.
هم قد لا يعرفون صحيح البخاري و غير معنيين بالنقاش حول السنة النبوية صحيحها وضعيفها ، ولا علم لهم بتاريخ الاسلام و الخلافة و الاقتتال الاسلامي / الاسلامي .
الدين يبدأ عندهم بلا الاه الا الله لتأكيد وحدانيته ،ومحمد رسول الله للإيمان برسالته ،
ليست لديهم سنة وشيعة ، وليست لذيهم مذاهب أربعة ،ولا قراءات سبعة للقرآن الكريم ،
يتكلمون في المسجد كما في مجالسهم ببيوتهم ، فهم لا يعلمون بوجود حديث “فمن لغى فلا جمعة له “,
في الحج يلبسون لباسهم التقليدي ويطوفون ولا علم له بفتاوي تحريم اللباس المخيط في الطواف ولا بالتدقيق في الأدعية في الصفاء و المروى ،
لكنهم في المقابل يمارسون سنن الحج ومراحله كما يمارسها العرب من رجم ووقوف بعرفة …
في العيد قد لا يضحي كل بيت بأضحية العيد ،ويكتفون بدبح عجل او بقرة و توزيع لحومها على كل البيوت إحتفالا بعيد الاضحى المبارك .
سيكون من النقاش العقيم السؤال عن دينهم هل هو صحيح ؟
وهل ما يسمونه دينا مقبول عند الله ام مجرد بدع تدخل صاحبها الى النار ؟
كلما درست اسلام الشعوب الاخرى و زرت بلدانا غير عربية و عاينت إسلامهم ،كلما ترسخت عندي القناعة ان الإسلام دين حياة ،ودين كل الشعوب، و رسالة كونية إنسانية ،
وان إسلام العرب لا يمكن ان يكون معيارا لإسلام باقي الشعوب لمجرد ان النبي المصطفى الامين محمد صلى الله عليه وسلم عربي !!
إن الإسلام اولا هو ما انزله الله ،و بعدها على من انزل ، و من تم الفصل بين الفرد الذي اصبح رسولا وبين شعبه الذي يمكن أن يؤمن او يكفر .
كلما احسست بالخشوع و تقربت الى الله و احسست فعلا اني قريب منه فذلك عندي هو الإسلام ، و اعتبر أن سنة نبيه الكريم هي المصباح الذي ينير لي طريق الإسلام .
لذلك عندما تجدني ببلد وادخل مسجدهم لاصلي معهم صلاة الجماعة أو الجمعة ، فليس من المعقول أن أقف و اعارض طريقة صلاتهم او أعلق على تركيبة صلاة الجمعة عندهم ، بل ساصلي كما يصلون و امارس شعيرة صلاة الجمعة وفق ما يصلون ،
فهل انا مذنب ؟ وصلاتي غير صحيحة ؟ وأني اقدمت على فعل يتنافى وما اعرفه عن ديني وأكون في حالة بدعة تدخل صاحبها النار ؟
صدقوني عندما امارس ما يمارسون و احس بالخشوع ،فإنني احس بعظمة هذا الدين الكوني الذي يفسح لصاحبه ان يبدع في عبادة ربه و يخلص في عبادته بكل اللغات و في مختلف الاوضاع والهيئات.
في المغرب عندنا دخل الإسلام على يد العرب الى بلد عاداته غير عادات العرب ، بلد لغته غير لغة القرآن الكريم ،امازيغ ادخلهم العرب الى الإسلام ، فاعتنقوه بإيمان و إحتساب لله ،لذلك تجد القرى الأمازيغية تمارس الدين بعفوية عكس المدن الكبرى التي تشبعت بعادات العرب ،و درست فقههم و سننهم ، و لأن من يحكم البلاد هم سلالة عربية فإن دين الدولة هو الإسلام العربي ،فيما كثير من الأمازيغ يمارسون الإسلام كعبادة كما يمارسه العرب ،ويمارسون الإسلام كمعاملات برواسب العرف و القبيلة ،
فيقرؤون القرآن بغير قراءة العرب ولو ان المقروء بالعربية ، و يدعون في صلاتهم بالأمازيغية و يشتكون الى الله بالأمازيغية ،و قد لا يخرجون الزكاة كما هي في الاسلام ،لكنهم يتصدقون على ضعافهم و يزوجون ارملتهم وطليقتهم بالتعدد الذي يصون الاعراض و يفتح البيوت ، ويتزوجون الصغيرة كلما برزت علامات بلوغها و يكون الزوج من اهل القبيلة ،
الحشمة عندهم عرف و ليست شريعة دين لذلك النساء عندهم لا يعرفن الحجاب و لا النقاب كما هو عند العرب ،
في المناسبات يرقصون جماعة كما كان يفعل العرب زمن الجاهلية ويرون ذلك ليس فيه مس بالدين و لا تحريم من الإسلام لأن النوايا عندهم صافية كما يعتقدون….
إننا امام مجتمع قائم إعتنق الإسلام ،و آمن بالرب الواحد بعد قرون من الوثنية ، و أحب رسول الله وتغنى به و قد يرفعه الى رتبة القداسة ،فيتبرك بإسمه مع إختلاف في النطق و التسمية ويسمي به أفراده من الرجال : موح ،موحا،محمود،محمد، حماد ،حمادي …
والامازيغ اكثر القبائل تسمية للنساء باسم زوجة الرسول عائشة و ابنة الرسول فاطمة الزهراء مع اختلاف في النطق و التسمية ، فاطمة ،فطومة، فاطمتو، فاضنة، فاضمة ، عيشة ،عويش،عبوش….
في المحصلة ، عندما لا ينفصل الدين عن المجتمع يصبح الكتاب الوحيد بعد القرآن هو كتاب الحياة ،حياة الناس بعاداتهم وتقاليدهم التي لم يأتي الإسلام ليمحوها ولكنه جاء ليحسنها ،ولم يأتي ليجعلها عربية ،بل جاء ليجعلها مسلمة

فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى